العراقي التائه : "حتى الله من الخوف يحمل هراوة"
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
العراقي التائه : "حتى الله من الخوف يحمل هراوة"
العراقي التائه : "حتى الله من الخوف يحمل هراوة"
كتابات - حمزة الحسن
لانه لم يمتلك سلطة ، لأنه لم ينمو نموا طبيعيا، لأنه يسمع بالديمقراطية كنوع من الحكم لكنه ليس متأكدا هل هي فاكهة أم حيوان؟ هل هي مشمش أم أفعى؟ لأنه كذلك فهو مذنب من داخله ومن خارجه وعقلية الشعور بالذنب تحول الكائن الى سجين ذاتي متنقل، داخل جلده.
لأنه يخاف من الليل ومن نشرات الأخبار ومن البلاغات وصفارات الاسعاف ومن الطرق الليلي الحاد على الباب، ومن التوقف السريع لسيارة مضببة على طريق عام، فهو مذنب ولا حاجة لتفسير من الخارج وعليه أن يبحث في داخله عن ذنب: هل خرج عن الطريق؟ بال على جدار مسؤول في نوبة مرضية؟ بصق على حائط؟ شتم البرد والضباب والغبار من دون أن يعني أحدا؟ مذنب في كل الاحوال.
لأن اطفاله حين يذهبون الى المدارس ـ اذا ذهبوا ـ قد لا يعودون كلهم أو بعضهم أو يعودون اشلاءً، لأن المقهى القريب مريب ومرشح للانفجار، لأن سيارة الاجرة قد لا تكون حقيقية، لأن الشجرة التي أمامه في المنعطف خلفها متربص، لأن الشاطئ ملغوم بالغموض والاسلحة، لان الطبيعة مشوهة بالنوايا، لأن الساعة في المعصم قد تكون لاقطة، الحذاء الذي في الرجل قد يكون سماعة، الراديو في السيارة، التلفزيون في البيت، الطفل في الروضة، الزوجة في السرير أو في الحقل، الضيف منتصف الليل قد يكون عدواً متنكراً، المتسول في نهاية الشارع قد يكون متلصصا، المتلصص نفسه قد يكون ضحية، الضحية نفسها قد تكون جلادا، الجلاد نفسه قد يكون مكرهاً، لكل هذه الاسباب فهو مذنب ـ مذنبة وعليه التفتيش في الاسباب لا في المؤسسة ولا في التاريخ بل في الذات: فمن يدري قد يكون مذنبا بالولادة أو خطأ طبيعي او لعنة الهية وليس من المنطق، المنطق السائد والمشرع والعام، ان يكون كل هؤلاء على خطأ وهو على صواب أو بالعكس؟
لأنه يعرج من مسمار حذاء في الرجل، أو خسر في حرب خارجية أو داخلية، لأن صوته ضاع في انتخابات مجهولة الهوية حُشر فيها كورقة طيرتها الريح والايام والاقدار، لأنه يساري يقرأ كتب اليسار بسبب الفقر والمتعة والرغبة والاختيار، أو لأنه متطرف بسبب رعب القرون وضغط الجسد والحرية والأمل، لأنه يخاف من النظارات السود، ومن العيون المحدقة في الظلام، من كسر الزجاج على الحيطان، من سيارات الاسعاف، من الطبيب المحلي، من صيدليات الخفر، من جواز السفر، من المطارات والحقائق والمصاطب والزهور والأراجيح ومن غيرها فهو مذنب بجريمة داخلية لا يعرفها ولأنه لا يعرفها فهو مذنب مضاعف.
لأنه يركض في مسيرات احتجاج مجهولة أو مسيرات تأييد مجهولة لكي يتجنب المخبرين والبصاصين والشرطة السرية والجيران الموالين والموظفين والعاملين، لأنه يعود اخر المساء منهكاً من تشظي اللغة، تشظي الذات، توزع الكلام حسب الافراد، مرهقاً من المجاملة والخوف والتحاشي، لأنه ينام في الخطاب الرئاسي أو الوعظي من شدة الارهاق والتكرار والسأم، لأنه لا يحب الجداريات، ولا المهرجانات، لأنه انسان بريء، وعفوي، صاحب أسرة، لأنه لم يكن عضوا في حزب أو عصابة أو صيدلية أدوية مزورة، لأنه مختلف، وبعيد، ومتجنب احتفالات الزور والضغينة، لأنه لا يصلح ممثلا في دور سياسي، ولا مهرجاً في عالم مهرجين، لأنه لا يعرف الكذب ولا يحتاج الى تعريف الصدق لأنه يعيشه، لأنه مباشر وعذب ووديع، لأنه يحب الخبز الحار والصداقة غير المغرضة، لأنه يكره الألم والغدر والبرد ، لأنه كذلك فهو مذنب من الداخل، بل هو الوحيد المذنب، المواطن غير السعيد، المنفي في سرير النوم، منزل الاجداد، أرض السلالة، المطرود من البرامج والميزانية العامة ووسائل الاعلام وغيرها.
لأنه يلعن النفايات في الشارع، الحكومات في الاحلام، لأن الكوابيس صارت تزوره في النهار، لأن جهنم صارت حياة وليست وعداً، لأن الشعر صار شعيراً، لأن الأمل، الفرح بالخلاص، الطريق الى الخروج من التيه صار مستحيلا ونكبة، لأن الجانب الايمن من الشارع لا يشبه الجانب الايسر، لأن الطبقات تتراكم وتتحطم، المجتمع يدور كالدواليب، لأن المال العام يتبخر، لأن الأهداف تضيع، صوت القطار صار نعيا، خرير المياه صار نعيبا، الشعارات تشابهت، المسالخ صارت برامجا، البرامج صارت خوازيق، الخوازيق صارت نموذجا، الوفاء صار غباءً، العقل صار جهلاً، الشطارة صارت ذكاءً، فهو مذنب ليس من اليوم بل بالولادة والجينات والوراثة والوعي.
لأن الثوار خانوه، الديمقراطيون خانوه، اليمين واليسار والوسط، الاشتراكيون والقحاب واللصوص خانوه أو خانهم لأنه مذنب والمذنب لا يصلح مواطنا صالحا، لأنه يغني في الطريق، لأنه ينسى ويتباهل، لأنه يستحم باصالته من الداخل، لأنه لا يحتاج الى مرآة تعكس جماله الداخلي، لأنه مشع من الداخل، مضيء كرخام الأضرحة، لأنه خارج الحفل والمهرجان، لأنه أعزل في توزيع وليمة الدم، لأنه واضح كطفل ينام، لأنه المغني الأخير في احتفالات المستقبل في نهاية الحكاية، لأنه الناصع في منجم الفحم، الساخر في موائد الزور، الباكي في فرح المقاول، الطالع من الرماد والحروب والضغائن والنهب، الهارب من مهرجان البيع والشراء، المنطوي كوردة، الواقف كشراع على حافة بحير في لوحة، لأنه كذلك فهو مذنب في الحفل والسوق ومهرجان الموت: هذا المجتمع الذي حولوه عبر قرون من الرعب والضيم والشك والتعذيب الى مستعمرة عقاب لا يعيش فيه البريء ولا النظيف ولا المختلف ولا غير المغرض وغير المسلح، فحتى الله من الخوف يحمل هراوة.
ـ "حتى الله من الخوف شايله سكين" اغنية غجرية انتشرت في ثمانينيات القرن الماضي في العراق.
hamzaalhassan@hotmail.no
حسن احمد- حالم عراقي
- عدد المساهمات : 27
تاريخ التسجيل : 18/11/2010
رد: العراقي التائه : "حتى الله من الخوف يحمل هراوة"
هل بقي شي لم يقله؟
وهل هو يكتب مقاله ام انه يكتب ملحمة شعرية
كملحمة كلكامش؟
في العراق يتحطم كل شي الا الفكر
فانه ماتبقى للعراقيين ليفسروا من خلاله كل ماحولهم
شكرا لك استاذ حسن على نقل هذا المقال
دمت بالف خير
وهل هو يكتب مقاله ام انه يكتب ملحمة شعرية
كملحمة كلكامش؟
في العراق يتحطم كل شي الا الفكر
فانه ماتبقى للعراقيين ليفسروا من خلاله كل ماحولهم
شكرا لك استاذ حسن على نقل هذا المقال
دمت بالف خير
سالم التميمي- حالم عراقي
- عدد المساهمات : 59
تاريخ التسجيل : 05/08/2009
العمر : 60
الموقع : العراق
مواضيع مماثلة
» الخوف يصنع المعجزات.................
» حلمنا العراقي
» على حافة الحلم العراقي
» على حافة الحلم العراقي
» الاستاذ يحيى الفحام يشرفنا في حلمنا العراقي
» حلمنا العراقي
» على حافة الحلم العراقي
» على حافة الحلم العراقي
» الاستاذ يحيى الفحام يشرفنا في حلمنا العراقي
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى